توطئات لابد منها .. مروان نعمان
 
 
أما بعد
 
مروان عبدالله عبدالوهاب نعمان
بيكين 10 مايو 2007
 
لعل من المهم والمفيد، ونحن في سبيلنا لاستعراض أعمال الفضول عبدالله عبدالوهاب نعمان، أن نشير إلى عدد من الملاحظات الهامة:
  • أن صحيفة "الفضول" استمرت في الصدور مايزيد عن خمس سنوات من ديسمبر 1948، بعد فشل ثورة فبراير 1948، وحتى اكتوبر1953. وكانت تصدر كل نصف شهر، وأحياناً، مرة واحدة في الشهر. وعلى الرغم من قصر عمر الصحيفة، إلا أنها اشتهرت وأصبحت منبراً لمعالجة أوضاع الوطن اليمني شماله وجنوبه. وكما هو معروف، فقد اشتهر عبدالله عبدالوهاب نعمان بلقب "الفضول" حتى لقبه طغى على اسمه، وكان ينادى باسم "الفضول" وأسرته باسم بيت "الفضول" وأبناءه بأنهم أبناء "الفضول".
  • أن هناك عدداً من أعدادها لم نتمكن حتى إعداد الموقع وإطلاقه، من الحصول عليها، ولعل المناسبة هنا مواتية أن نطلب من المهتمين والذين في حوزتهم أعداد "الفضول" كاملة تزويد الموقع بها. وسننسب هي الفضل لأصحابه. وهذه الأعداد هي: العدد 8 بتاريخ 30 مارس 1949، والعدد 15 بتاريخ 15 يوليو 1949، والعدد 2 بتاريخ 30 ديسمبر 1950، والعدد 1 بتاريخ 15 ديسمبر 1951، والعدد 2 بتاريخ 1 يناير 1951، والعدد 13 بتاريخ 16 يونيو 1951، والعدد 23 بتاريخ 28 فبراير 1952، والعدد 128 بتاريخ 30 يونيو 1952، والعدد 130 بتاريخ 30 أغسطس 1952، والعدد 139 بتاريخ 1 يناير 1953، والأعداد من 134 إلى 139 في الفترة من نهاية سبتمبر 1952 حتى ديسمبر 1953، والعدد 144 بتاريخ 15 مارس 1953.
  • إن إجمالي ما أصدر من صحيفة "الفضول" هي 87 عدداً. وعلى الرغم من قصر عمر الصحيفة ومحدودية أعدادها، إلاّ أنها تعد من أشهر الصحف في تاريخ الصحافة اليمنية، بالنظر إلى دورها الرائد في التاريخ السياسيي اليمني المعاصر، إذ أن الصحيفة لم تكن معنية بالأوضاع في "اليمن"، الشمال، فقط بل كانت تتناول وبشكل مستمر أوضاع عدن والمحميات، مما يجعلها أول صحيفة يمنية سياسية شاملة.
  • إن الفضول عبدالله عبدالوهاب نعمان، كان كاتباً سياسياً من الطراز الأول، يكتب مقالاتها الافتتاحية والسياسية بلغة عربية رفيعة وبسيطة كان باستطاعة من يقرأها، أو يستمع لها إن كان أمياً، أن يفهم معانيها وأبعادها ومغازيها السياسية القريبة البعيدة.
  • وكان الفضول عبدالله عبدالوهاب نعمان، شاعراً متمكناً، بخلفية ثقافية عربية وإسلامية، انعكست في كل قصائده. وفي معارضاته الشعرية، كتب الفضول أرقى قصائد سياسية ساخرة، انتقد فيها نظام الحكم في "اليمن"، المملكة المتوكلية اليمنية والشطر الشمالي (سابقاً)، وانتقد فيها الكثير من الظواهر الاجتماعية والسياسية السلبية في عدن والمحميات. ومن هنا فإن كل قصائد الفضول الساخرة موجودة في متن صحف "الفضول"، باسمه أو بأسماء مستعارة مختلفة. ومن أشهر هذه القصائد قصية بعنوان "هذي المساواة" نشرها تحت اسم "إمريء القيد"، منشورة في العدد 155 الصادر بتاريخ 13 أكتوبر 1953، وقال فيها

لحف التراب وبالحصير تــأزرا    شعب بحمد الله يمشي للـورى

أدبته بالفقر حتى يرعـــوي     وحملته بالجوع حتى لايبــطرا

ومشيت فوق ضلوعه مترفقـاً      وملئت أكواخ العجائز عسكرا

وجلدت ظهر أبيه حتى لم يقم      أحدا لينطق أو يحرك مشفــرا

فكفيته تعـب الحياة فلم يعـد     أبدا بتدبيــــر الحياة مفكرا

ساويت بينهمو بفقر ساحــق     بُطحــوا سيواسية به فوق الثرى

قسماً بظلمة كل سجن لن يرى      أحد لهذا الشعــب إلا ما أرى

إن القيود أو اللحود وقايــة      ممــن يحاول فيه أن "يتعنتــرا"

شعبي العزيز .. وقيت من حرية     ووقتك حيطـان السجـون تحررا

إرقد ونم واهنأ ودم في نوم أهـــل الكهف في وحل الشقاء مسمرا

ثم الصـــلاة على النبي وآله     ما رنّ قيد في السجـون وصرصرا

  • أثرت خلفية عبدالله عبدالوهاب نعمان الفضول الثقافية العربية الرفيعة على مفرداته الشعرية في أغانيه العاطفية، وعلى مفردات شعره النقدي أو السياسي أو الهجائي، وفي مديحه وفي هجائه. ويستطيع القارئ أن يلحظ الثقافة الإسلامية والدينية في كل مفردات الفضول في شعره العاطفي وغير العاطفي.
  • إن عبدالله عبدالوهاب نعمان الفضول ارتقى بالكلمة المحلية في تعز، وأرتفع بها لتصحب في مصاف الكلمة الفصحى، فارتقى بذلك بذوق المستمع، ولم يكن في أي قصائده ينـزل من هذا الارتفاع. ومثال على ذلك قصيدة "أنت الأمان"، حيث يقول
هَيَّا مَعَيْ نَمْشِيْ نَرَى وَرْدَنَا
عَلَى طَرِيْقَ الحُبْ كَمْ أَخْصَبَيْنْ
نَرَى الَّتِيْ كَانَتْ مَوَاعِيْدَنَا
ضُيُوْفَهَا يَامَا بَنَا رَحَّبَيْنْ
بِقَاعْ قَدْ كَانَتْ بَنَا وَحْدَنَا
وِبَالهَوى فِي رُوْحَنَا يُعْجَبَيْنْ
كَأَنَّمَا قَدْ شَاقَهِنْ وَجْدَنَا
أَوْ أَنَّهِنْ بِالحُبْ يَتْعَذَّبيْنْ
وِنْ سُوْئِلَيْنْ عَنَّا وعَنْ وَعْدَنَا
يُلاَزِمَيْنْ الصَّمْتْ أَوْ يَكْذِبَيْنْ
زَوَارِقْ الشَّمْسْ بِهَا عِنْدَنَا
يَبْقَيْنْ لايَرْضَيْنْ أَنْ يَغْرُبَيْنْ
إلى آخر القصيدة.
  • قال الفضول عبدالله عبدالوهاب نعمان قصائده السياسية منذ أن كان في العشرينيات من عمره، ومنها قصيدة حيا بها المساجين في العام 1944، وكانت سبب هروبه بعد ذلك إلى عدن، ومنها "سيروا فما الأغلال في أعناقكم إلاّ لمجدكـم العظيم شعــارُ" مخاطباً الأحرار، ومنها أقوى بيت هجاء خاطب به الإمام يحي حميد الدين "ياجيفة التاريخ هل من حفرة تؤويك إن لفظتك هذي الدارُ".
  • وبعد إغلاق صحيفة "الفضول" هجر عبدالله عبدالوهاب نعمان الشعر تماماً، إلى أن وجه قصيدته في مطلع الستينيات من القرن الماضي إلى الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت الراحل، ولم يكن أميراً حينها، وكان متكفلاً بعلاج صديق عمر الفضول، السيد محمد بن يحي الوريث، وهي القصيدة التي ترد في مجموعة القصائد التي لم تنشر في هذا الموقع.
  • بدأ العودة إلى كتابة الشعر الوطني والسياسي مجدداً، فكتب أوائل قصائده السياسية، أثناء وجود القوات المصرية في اليمن، في الفترة من سبتمبر 1962 حتى 30 نوفمبر 1967، وعنوانها "أرض المروءات" وفيها شكوى لمصر على ما يفعله أبناؤها بالشعب اليمني، دون نكران دور مصر في إسناد الثورة اليمنية، وفيها قال:

أَيْنَهَـا مِصْرُ لِكَيْ يُخْجِلَهَا أَدَبُ الأَحْزَانِ بِالعَتْبِ الوَدُوْدِ

هَــذِهِ أَحْزَانُنَا لَيْسَ بِهَا أنَّـةٌ تَخْرُجُ مِنْ صَدْرٍ جَحُوْدِ

إِنَّهَا مَأسَـاتُنَا قَدْ جَاءَ يَصْنَعـــُهَا فِيْنَا حَدِيْثَاً لِلْخُلُوْدِ

مُسْلِــمٌ أَنْبَتَ فِيْ إِسْلاَمِنَا أَلْسُنَاً تُثْنِيْ عَلَىْ رِفْقِ اليَهُوْدِ

ثُمَّ أَرْخَى دَمْعَـــةً تُبْدِيْ بِهِ صَالِحَاً أَكْمَدَهُ كُفْرَ ثَمُوْدِ

لِتَـرَىْ مَنْ طَرَحُوْا أَخْلاَقَهُمْ سَيْفَهَا فِيْ عُنُقِ الفَجْرِ الوَلِيْدِ

وأَتَـوْا فِيْنَا عَلَىْ مَجْهُوْدِهَا بَصْقَةً يُمْحَىْ بِهَا فَضْلَ الجُهُوْدِ  

  • وفي القصيدة إشارات واضحة إلى دور عبدالله عبدالوهاب نعمان الفضول في النضال الوطني، ودور والده الشهيد الشيخ الشهيد عبدالوهاب نعمان، ضد حكم بيت حميد الدين البغيض، حين قال:

أَلأِرْضِي وَهَبَتْ نَفْسَيَ غَضِّيْ لأَلْقَى القَيْدَ عَضَّاً فِيْ قَدِيْدِي

أَلِهَــذَا القَيْدُ كَفِّي دَفَنَتْ فِيْ حَنَايَا وَطَنِيْ أَغْلَى شَهِيْدِ؟

  • وفي القصيدة استعراض كامل لمن والى المصريين من اليمنيين في اضطهاد أبناء وطنهم إرضاء للمصريين، وتقرباً منهم، وتزلفاً لهم. وقد قال الفضول هذه القصيدة وهو والكثير من الوطنيين في سجن الرادع السيئ الصيت في صنعاء، والحكومة اليمنية بكاملها برئاسة الأستاذ أحمد محمد نعمان، معتقلة في السجون الحربية المصرية، ومنهم المغفور لهم القاضي عبدالرحمن بن يحي الإرياني الفريق حسن العمري. وقد قبعت الحكومة في سجون مصر، والآخرون المعتقلون في الرادع، إلى أن أفرج عنهم جميعاً بعد هزيمة يونيو حزيران 1967. ومن القصائد التي قالها في ذات الفترة، قصيدة "صهوات العز".
  • من المهم الإشارة إلى أن الفضول ظل يحلم بالوحدة اليمنية، ويتغنى بها في عدد من قصائده، منها، قصيدة "رددي أيتها الدنيا نشيدي"، وفيها قال: "وحدتي .. وحدتي أنتِ عهدٌ عالقٌ في كل ذمة"، وفي قصيدة "وطن الرجال" وقال فيها:

ِلأَرَىْ عَلَىْ الْرَّحَبَاِتِ مَنْ دَمُهُمْ عَلَىْ الْرَّحَبَاتِ سَالْ

ِلأَرَىْ أَبِــيْ

وَأَرَىْ أَخِي

بَيْنَ الَّذِيْنَ تَسَرْبَلُوْا مَعَهُمْ سَرَابِيْلَ الْجَلاَلْ

وَأَتَوْا بِهَا فَوْقَ الْرُّؤُوْسْ

وَمَشَوْا بِهَا تَحْتَ الْشُّمُوْسْ

مَغْسُوْلَةً بِدَمٍ تَطَيْبُ مِنْهُ خَضْرَاءُ الْتِّلاَلْ

وَتَذُرُّهُ الْسَّنَوَاتُ عِطْرَاً فِيْ الْسَّنَابِلِ وَالْغِلاَلْ

ِلأَرَىْ بِهَا الْشُّهذاءَ مُتَّكِئِيْنَ فِيْ فَيْءِ الْضِّلاَلْ

يَتَأَمَّلُوْنَ رُفَاتَ طُغْيَانٍ تَدَثَّرَ بِالْزَّوَالْ

وَيَرُوْنَ مَا مِنْ أَجْلِهُ سَقَطُوْا بَأَشْدَاقِ الْنِّكَالْ

خَيْرَاً يَضُمُّ حَنَانُه قَلْبَ الْجُنُوبِ إِلَىْ الْشِّمَالْ

لَمَّا أَرَىْ هَذَا سَأَلْبَسْ كُلَّ أَجْنِحَةِ الْخَيَالْ

وَأَطِيْرُ مُرْتَفِعَاًً وَأَنْزُلُ فَوْقَ هَامَاتِ الْجِبَالْ

ِلأَقُوْلَ شِعْرِيْ شِعْرُ وِجْدَانٍ كَأَرْوَعِ مَا يُقَالْ

يَمْشِيْ عَلَىْ الْدُّنْيَا يَقُوْلُ بَأَنَّ في أَرْضِيْ جَمَالْ

وَيَقُوْلُ أَنِّيْ كَبِـــرتُ

وَأَنَّ فِيْ وَطَنِيْ رِجَالْ

  • وتغنى بالوحدة عندما قال : "ياشمالاً يحمل الهم بنا  مطرقاً يصغي إلى هم الجنوب".
  • كما غنى للوحدة الحلم في نشيد "هذه يومي"، لأيوب طارش عندما قال في ذكرى 26 سبتمبر،:

إنه يوم عطائي فيه أغنيت تاريخي حياة ووجـــودا

وبه مارست جودي وأطعتُ سماحاتي وبَرَّيت الجدودا

وبه مديت كفيَّا والحمت شطريّا.. وحطمت القيودا

  • إن جدلاً كبيراً دار حول كلمة "أمميا" التي وردت في النشيد الوطني، عندما قال الفضول "عشت إيماني وحبي أممياً .. ومسيري فوق دربي عربياً .. وسيبقي نبض قلبي يمنيا .. لن ترى الدنيا على أرضي وصيا"، وثار التساؤل حول معنى الكلمة. وعندما جاءت الوحدة الحلم لتتحقق، اتفق رئيسا الشطرين على أن يكون نشيد "رددي أيتها الدنيا نشيدي" النشيد الوطني لليمن الموحد. وثار لغطاً حول كلمة "أمميا"، وهل المقصود بها مصطلح "الأممية" الشيوعية؟ ولما كان الشطر الجنوب دو اتجاه اشتراكي، وكان هناك مد إسلامي متشدد في شمال الوطن، ويحمل حساسية لامبرر لها تجاه التوجهات الاشتراكية لاسيما والناس متوجهون نحو الوحدة وتركوا كل الماضي ورائهم، ارتأى أصحاب الحل والعقد استبدال كلمة "أمميا" بكلمة "سرمديا". وظل الأمر على هذا النحو  إلى أن تم مؤخراً إعادة الأمر إلى نصابه، بقانون جديد. ونود هنا أن نزجى التقدير للأخ يحي محمد عبدالله صالح، الذي بذل جهوداً كبيرة مشكورة لإيضاح هذا الموضوع  والعمل على إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي.
  • وحقيقة الأمر تقتضي إيضاح أن الكلمة "أمميا" أراد بها الفضول أممية الدين الإسلامي الحنيف. وبعد حركة 13 يونيو 1974، تزايد النفوذ السعودي في الحياة السياسية بشكل كان ملحوظاً في تفاصيل الحياة السياسية اليومية، وبعد أن سجل النشيد لإذاعة صنعاء، عملت السعودية على وقف بث إذاعة ذلك النشيد. وقد شرح لي والدي أن السعوديين يعتقدون أن الأممية هي الأممية الشيوعية، وهم يجهلون أنه كان يقصد أممية وعالمية الإسلام. ويوضح ذلك أنه هناك يتحدث عن "الإيمان"، وهي العقيدة الإسلامية، ثم ينطلق بعد ذلك في القصيدة ليتحدث عن مسيره فوق درب العروبة باعتبارها محرك الوحدة العربية، وبأن نبض قلبه في كل هذا سيظل "يمنيا". غير أن حقيقة ما أثار السعوديين هو تحديه في القصيدة للنفوذ المتطاول للسعودية في الشأن اليمني، عندما قال "لن ترى الدنيا على أرضي وصيا"، وقد قصد بذلك الوصاية السعودية!
  • وحول تلحين النشيد الوطني، وعلى الرغم مما نشرته صحيفة 26 سبتمبر الغراء حول هذا الأمر، وحول اختيار النشيد، فإن علمي من والدي أنه ناول نص النشيد للأخ عبدالله عبدالعالم، عضو مجلس القيادة قائد قوات المظلات حينئذ، وهو الذي أعطاه لأيوب طارش، وبالفعل فقد قام أيوب طارش بتلحين النشيد ووافق الوالد على اللحن، وتم تسجيله في إذاعة صنعاء. وتم بث النشيد من إذاعة صنعاء غير مرة، إلى أن أوقف بثه بطلب سعودي كما سبقت الإشارة.
  • وإذا كان صحيحاً أن الأخ الفنان الكبير أحمد السنيدار قد قام بتلحين النص، فإن والدي لم يقر له بقبوله أن يؤديه، حاله حال الفنان الكبير الراحل أحمد بن أحمد قاسم. فقد سمعت شخصياً لحنه للنشيد نفسه، وبعد وفاة والدي بعشر سنوات، وبعد أن تحققت الوحدة، في مقيل في منزل صديق في الشارع الذي نقطنه في صنعاء. وهو لحناً أوركسترالياً رائعاً، وكان قد لحنه بطلب من قيادات الشطر الجنوبي من الوطن للمقارنة مع لحن أيوب طارش، عندما أرادت قيادة الجنوب أعلان "رددي أيتها الدنيا نشيدي" كنشيد وطني للجنوب في إطار اتفاق الكويت الذي أشرت إليه. غير أن الوالد لم يستروح اللحن الذي وضعه الراحل الفنان أحمد بن أحمد قاسم. وأعتقد أن لحن الفنان الكبير أحمد بن أحمد قاسم للقصيدة، إن لم يكن قد سجله في إذاعة عدن، وإن لم يكن بين تراث الفنان لدى ورتثه، فإنه موجود لدى الأخ العزيز السفير أحمد علوان ملهي، سفير الجمهورية اليمنية في النمسا، وهو من أعظم عشاق فن الراحل الكبير أحمد بن أحمد قاسم، ويحتفظ ويحفظ كل أغانيه. وقد كان حاضراً ذلك المقيل، إلى جانب صديق طفولة وأخ عزيز آخر هو الأستاذ عبدالرحمن بن محمد عبدالرحمن طرموم، وزير الكهرباء الأسبق، ومدير مكتب رئيس الوزراء الدكتور علي محمد مجور، حالياً.
  • كنت من أقرب أخوتي إلى والدي، ولا أقصد أن الآخرين كانوا بعيدين عنه، إلا بقدر تفرقهم في أعمالهم وفي مهاجرهم. وكنت أقيم قريباً منه في الوطن، بعد أن أنهيت دراستي الجامعية من جامعة القاهرة عام 1973. وكان يقرأ لي شعره عند كتابته، وكنت أجلس إلى جانبه كثيراً صامتاً، إلى أن يقول لي إسمع إلى ما أقوله، وإذا شعرت عدم استقامة في أذنك إشعرني. وكان ذلك استشعاراً منه لأذن مستمعي شعره، ولاعتقاده أنني ذو مواهب أدبية وشعرية، رفض أن يدعها تترعرع في، لاعتقاده أن الأدب والشعر "ما يأكلش عيش".
  • وأعتقد من خلال قربي منه، أنني عرفت الكثير عن خلفيات القصائد غير المنشورة، التي أنشرها هنا في هذا الموقع، وفي من قيلت تلك القصائد، وفي أية مناسبة، غير أنني لن أستطيع إطلاق كل ما أعرفه احتراماً لرغبة والدي، وسيظل ما هو مكنون مكنوناً، فالمعنى، كما يقال في بطن الشاعر. ولندع الأمر هكذا. وعندما لا يكون هناك مانعاً، سيجد القارئ أن خلفية القصيدة موجودة في مقدمتها.
  • وفي هذا المقام، فأنا أعرف من والدي قصص عشق كثيرة، كانت أول قصة حب، انتهت بالفراق، وكانت مع بدايات عودته إلى شمال الوطن بعد الثورة، في العام 1963، وكانت القصة في صنعاء، وفي ذلك الحب غنى " عدن عدن" وكان اللحن الذي غناه أيوب صنعانياً بنكهة تعزيّة. وفيها قال:

 عدن.. عدن فيها الهوى مُلَوَّن

لكن لمن

أسلو بها أو أشتكي وأحزن

 لا اشتد لي فيها وتـر ولا رن

عيشي حزن

القلب أنْ وما عليه لو أنْ

 لا البعد هان ولا الوصال أمكن

 لو ما عرفت الحب كان أحسن


 صنعاء اليمن قلبي لتربتك حن

يبكي شجن

 ما لاح بارق فيك أو مطر شن

وانا وأشواقي أنام واذهن


 من ذي يزن فيك الهوى تمكن

حتى الزمن

 غنى على صنعاء اليمن ودندن

 أرض الملاح الغيد جنة الفن

  • وعندما خاب الظن، وفشل الحب قال الفضول، وغنى أيوب:

حبيت من فيه خاب الظن
والود قد ضاع

 حبيت واخلصت في حبي

لمن كان خداع

 يا ويل من حب مثلي
ضحى وأخلص وخاب

 شاقول لمن حب قبلي

إني بجرحك مصاب

 وأقول لمن حب بعدي

العز قبل العذاب

 واقل لكل المحبين

إن المحبه سراب

  • كانت آخرها قصة حب كبير أراد هو أن يعيشه بقية عمره، ولكن الآمال طول، والأجال عرض. فقد رحلت المحبوبة، على غير الرغبة، ورحل الفضول إلى غير رجعة. وقد أثر فيه هذا الحب أيما تأثير، فقد أعاده إلى صباه، وأحزنه الوصال وأبكاه، وغنى بمحبوبته كل الأغاني الأخيرة في سنوات عمره الأخيره. ومنها، القصيدة المنشورة بعنوان "الأحلام الكبار" 

حبيتْ في عمري كثيـرْ

وقضيت عيشي كالهـزارْ

ريشي تعب مما يطيــر

من فوق دار لا فوق دار

حتى أتيت تلم أجنحتي وتعطيها القرار

وجمعتَ في يدكَ النّدى

وغسلتَ عن ريشي الغبار

 

كم تهت ..

كم قد ضعت ..

كم طرفي عِمي حتى رآكْ

وأنـمتني في صدرك الحاني تهدهـدني مُناك

وجمعتُ فيك شتاتَ أحلامي يلملمني هواك

 

يا أنت يا وطني الأخير

وبيت أحلامي الكبـار

يا آخـــر الواحـات آويها ويحضنني النهار

أرهقت أجنحـتي أطيــر إليك في غيم المسار

في غيركَ الفرحـات قد كانت كسائي المستعار

يا واحة النسرين أضنتني المهـارب والفــرار

وأتاك قلبي من صحارى الشمس من ظمأ القفار

ودخلت كل الريح أهــزمها بأرياشي الصغار

ونزلت فيك لأكتسـي ورقـاً وظلاً واخضرار

 

وبعاصف الأشواق من روحي أتيت إلى حماك

لأرى عيــوني لا تلاقي الفجر إلاَّ في سماك

ومناي عندي لاتـرى في أرضها إلا ضحاك

وبك التقيت مع الحياة فكيف أحيـــا في سواك

  • ومن الروائع الشعرية للفضول، والتي عسكت مدى مرارة الشاعر عندما هجرت المحبوبة الشاعر، وهي مرارة عكست عظمة وعمق الحب الذي كان لديه لها، فقد عرفت والدي عاشقاً كبيراً، ولكن هذا الحب آلمه كثيراً ما آل اليه. تلك هي قصيدة "غدار" الواردة في القصائد غير المنشورة. ومن قسوة المشاعر، ورغم الهجر رجته الحبيبة ألاّ تُغنى هذه القصيدة، حتى لاتخلد نهاية الحب الذي كان. وكان لها ذلك. ولبى الفضول ذلك الرجاء.
أصدقتكَ الحبَ ولم تصدقِ
غدار .. لاترجع إلى معشقي
تجتاحني .. كاللافح المحرقِ
أو كالظلام الكالح المطبقِ
لبثتَ في خمـري فلم تعتقِ
وعُمتَ في فجري فلم تألقِ
ونمت في زهري ولم تعبـقِ
ودمت في قطري ولم تورقِ
ما يصنع الحب لعودٍ شقي
ما صاغهُ طقسي ولا أقلما
غدَّارْ .. حتى لو سكنت السما
لـخُنْتَ في أقطـارها الأنجما
 غدَّارْ .. لو لبسـت الضحى
وسرتَ في جوفِ السحاباتِ ما
 غدَّارْ .. لو أنـزلت بين الندا
ما كنتَ للأوراق إلاَّ ضَمَــا
 غدَّارْ .. ما جئت لكي ترتقي
بل جئـت للدنـيا لكي تأثما
كالحيَّـة الرقطــاء لم تخلقِ
لتنفـث العـطر والبـلسما
 غدَّارْ .. بعد اليـوم لن تلتقي
هـواك أحلامــي فقد سمما
 غدَّارْ .. لو أدهقتَ لي دورقي
للُحْــتَ لي في قاعها أرقما 
ولو رعتـكَ النحل في زنبقي
لأخرجتَ لي شهـدَها علقما
ولو  صباحي لاحَ في مشرقي
كنتَ في عيني صباحي عمـا
خبَّــأت لي نفسًا ظلامية
سرحتُ فيها عاشـقاً مغرما
حسبت فيها الفجـر لكنني
وجدت للوحـش بها مجثما
كم صحت في روحك لاتحرقي
ما طـرّزَ الحـب ومانـَـمْنا
وكان فيك الإثــمُ لايتَّـقي
وكان فيك الذنـبُ قد صمَّما
من أي شيئ فيك لم أقلــقِ
تكوينــك المرجوف كالزئبقِ
أم ورطتـي في طبعك المرهقِ
وأي وجهٍ فيـك لم يصـفقِ
وظل مثل الفجـرلم يبصـقِ
وغير مشتـومٍ ولن يشتـما
لا شيئ قد أبقيت لم تحـرقِ
أو قائمـاً ما زال لم يصعـق
وأي شيئ فيـك لم تنعــق
على حياتي ناعقـاً أسحـما
أتيتني كالبـاذلِ المفتـــدي
وفيك روحُ الصـائلِ المعتـدي
تـهين كل الطهر في مسجدي
وتبصــق الأقداس في معبدي
فأرجع إلى الأحراش يا قـنفذي
وأخرج من الريش الذي ترتدي
ما عدتَ طاؤوسي ولا هدهدي
نفضت كفي لم تُعـد سيدي
أخشى ضلالي فيك أن يهتدي
رفعت أنفي لم تعد مجهـدي
بسوطك الملعـون في مجلدي
غسلت طرفي لم تعد إثـمدي
بل أنت في عيـني كالمِبـْردِ
منك تعافيت وقد كنـت لي
سجىً بحلقي نازلا مخنــقي
نزعتها من نابــك الأزرق
روحي وقد رشتـه منها دما
أرحت نفسي منك يا مقلقي
وكنت فيها قيـدها الأدهما
نجا وريدي منك يا مشنـقي
يـدعو لغيري فيك أن يسلما
أعد وفائي لي أعـد موثقي
فلم يعد ما بينــنا مبـرما
ياغابـةً للشوك قد زارهــا
قلبي بحبي الأخضــر المورقِ
سوف أرى قلـبي إذا عادها 
كما أرى القديس في المفسقِ
غدَّارْ .. بعد اليوم لن نلتقي
فقد صنعـت النعش والمأتما
وليس عندي خشية المشفقِ
 أن أنتـهي حزناً وأن أندما
فلو طرحت التاج في مفرقي
ما كنت إلاَّ قاتلي الأعظما
  • وفي قصيدة أو أغنية "يامن رحلت إلى بعيد" قصة ذلك الحب العتيد، الذي اعتقد أنه كان قاتل الفضول. وفي تلك القصيدة كل الإشارات إلى ذلك الحب واقتراب الأجل ونبوءة الموت القريب. وفي تلك القصيدة قال الفضول في ذلك الحب الأخير ....

يَاخَاتَمَ الأَلْحَانْ فِيْ وَتَرِيْ وَخَاتِمَةَ الْنَّشِيْدْ

قِيْثَارَتِيْ بَكُمَتْ فَمَا تُبْدِيْ الْلُّحُوْنَ وَلاَ تُعِيْدْ

وَخَرَسْتُ بَعْدَكَ لَلْحَيَاةِ فَلاَ غِنَاءُ ولاَ نَشَيْدْ

وَوَرَثْتُ مِنْكَ مَسَاحَةَ الأَحْزَانْ يَاحُزْنِيْ الْمَدِيْدْ

مَاقِيْمَةُ الأْيَّامِ بَعْدَ هَـــوَاكَ تَنْقُصُ أَوْ تَزِيْدْ

فَلَقَدْ أَرَدْتُ وَكُنْتَ لِيْ فِيْ الْعُمْرِ آخَرُ مَاأُرِيْدْ

وَلَئِـنْ رَحَلْتَ فَلَنْ تُرِيْحَ مَدَامِعْيْ أَوْ أَسْتَفِيْدْ

سَتَظَـلَّ مُوْسِيْنِيْ وَمُشجِيْنِيْ وَمُبْكِيْنِيْ الْوَحِيْدْ

وَيَعِيْشُ خُلْفَكَ مِنْ وَرَاءِ الْرِّيْحِ إِحْسَاسِيْ شَرِيْدْ

وَتَطُوْلُ فِيْ رُوْحِيْ الْصَّلاَةُ عَلَيْكَ يَاحُبِّيْ الْشَّهِيْدْ

يَا آخِرَ الأَحْقَاقِ   يَحْضُـنُ لُؤْلُؤَ الْحُبِّ الْفَرِيْدْ

يَا آخِـرَالأَرْزَاقِ  مِنْ قَدَرِيْ وَفِيْ عَيْشِيْ الْرَّغِيْدْ

يَا آخِرَ الأَشْوَاقِ   فِيْ سَهَـرِيْ وَفِيْ قَلْبِيْ الَْعَمِيْدْ

يَا آخِرَ الأَوْرَاقِ   مِنْ شَجَرِيْ تَسَاقَطَ فِيْ الْجَلِيْدْ

يَا آخِـرَ الإِشْرَاقِ  فِيْ عُمْرِيْ ..وَآخِرَ وَجْهِ عِيْدْ

 
  • وبالفعل فقد كانت وفاة الفضول في أوائل رمضان، ولم يرى وجه حبيبته تلك، وكان آخر لقاء بينهما هو آخر وجه عيد.

 

    Up     Back
Copyright: www.alfudhool.com Email: info@alfudhool.com