قصة النشيد الوطني تحقيق صحيفة 26 سبتمبر
تفاصيل لم تكن معروفة عن النشيد الوطني تكشفها 26 سبتمبر: من الذي وضع ألحانه وكيف تم اختياره؟
منصور الغدره
صحيفة 26 سبتمبر
رقم العدد: 1197 التاريخ: الأحد 22 مايو 2005
 
 
الوزير ومثنى يؤكدان بأن النشيد لم يكن محل جدال واللوزي تحفظ
لماذا تغيرت كلمة«أمميا»بـ«سرمديا» وهل سبق السنيدار طارش في تلحين النشيد    
أيوب السنيدار معاً يؤكدان: يكفي أنه أصبح عملاً وطنياً ولايهم من الذي وضع ألحانه
"رددي أيتها الدنيا نشيدي".. الجميع- ابتدأ بزهرات وبراعم اليمن الذين يعزفون سيمفونيته كل صباح يوم دراسي، وانتهاء بكبار رجالات الدولة- انه مطلع النشيد الوطني للجمهورية، والذي يتألف من اثني عشر بيتاً موزعة في أربعة مقاطع والخامس يتكرر ترديده ثلاث مرات الأولى في مطلع النشيد والثانية عقب المقطع الثالث.. أما في خاتمته، وثمة أمر لا يعلمه إلا القليل من المطلعين على ميلاد قصيدة هذا النشيد الذي كان خلاصة نقاشات وحوارات مكثفة دارت بين أعضاء اللجنة المكلفة باختيار شعار دولة الوحدة واختصار كلمات النشيد الوطني للوصول به إلى وضعه الحالي من قصيدة مطولة- نعيد نشرها هنا- تتألف من (........) بيتاً كانت تتوزع على ثمانية مقاطع والمقطع التاسع يتكرر بين كل مقطع- كان قد ألفها الأستاذ الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) على أرجح الروايات منتصف السبعينات ولحنها الفنان الكبير أيوب طارش عبسي ووزع موسيقيتها العقيد حسين عبدالقوي ودون حروف كلماتها خط الأستاذ محمد سلطان المقرمي، ومعروف انه كان النشيد الوطني لجمهورية اليمن الديمقراطية، لكن الذي نجهله أنه انطلق من الشمال سابقاً، شعراً ولحناً وأداءً، يا ترى كيف أنتقل إلى جنوب الوطن سابقاً، ومتى كان ذلك، وكيف تداول الملحنون القصيدة وكم عددهم، وما قصته وكيف بدأت، وما هي الخلافات التي نشبت حوله بين الفنانين، والحوارات التي دارت بشأنه بين أعضاء اللجنة حتى وصلت به إلى أن يكون النشيد الوطني الحالي، وهل كانت هناك بدائل ومقترحات لنشيد آخر مطروح في النقاش..؟!!
للإجابة على هذه التساؤلات وتفاصيل أخرى مثيرة تكشفها لأول مرة صحيفة (26 سبتمبر)، ليس للإثارة وإنما لكتابة تاريخ ميلاد الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية التي رفرف علمها عالياً في سماء الوطن في الـ22 من مايو 1990م، الذي نحتفل اليوم بعيدها الوطني الخامس عشر.. التحقيق الصحفي تقرؤن فيه تفاصيل قصة النشيد الوطني ابتداءً من تاريخ ميلاد القصيدة ومروراً بنواتها الأولى كمشروع نشيد حتى لحظات إقراره رسمياً في الساعات الأولى لإعلان الجمهورية اليمنية
في البداية نستعرض ما جاء به مشروع اتفاقية دولة الوحدة عن النشيد الوطني لهذه الدولة اليمنية الحديثة.. حيث كان النشيد الوطني وعلم الجمهورية اليمنية ضمن اتفاق مشروع الوحدة الذي وقعته قيادتا الشطرين في ليلة الـ30 من نوفمبر 1989م والذي عرف باتفاق عدن التاريخي، والذي خول مجلس الرئاسة بإصدار قرارات لها قوة القانون بشأن شعار الجمهورية اليمنية وعلمها ونشيدها الوطني، ونص الاتفاق أيضاً على أنه يعتبر نافذاً بمجرد المصادقة عليه وعلى مشروع دستور الجمهورية اليمنية من قبل كل من مجلسي الشورى والشعب..
وتنفيذاً لما نص عليه مشروع اتفاق الوحدة بشأن الإسراع في إنجاز شعار وعلم الجمهورية والنشيد الوطني كان من أهم ما أقره الاجتماع الذي عقده مجلسا وزراء الشطرين برئاسة الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني والدكتور ياسين نعمان المنعقد في 20 مارس 1990م بمدينة عدن، حينماً كلف الاجتماع وزيري الثقافة والإعلام في الشطرين بالإعلان عن مسابقة لتصميم الشعار الرسمي وكتابة النشيد الوطني  ولحنه- هل تم هذا.. وكيف جرى الأمر..؟!
 
لن نجد إجابة عليه إلاّ من لجنة الحوار وهي المعنية بالأمر حينذاك، إذ أجاب الأستاذ إسماعيل الوزير- عضو لجنة الحوار بقوله: إن الكلمات- التي ألفها الأستاذ عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول)، كان حوله إجماع من قبل الجميع أن تكون هي النشيد الوطني للجمهورية ولم يجر حوله أي خلاف أو حوارات طويلة لأنه كان في الأساس يعبر عن وحدة اليمن، واعتقد أن الشاعر قد كتبها حوالي منتصف السبعينات.. كان هناك أجماع وأيضاً اتفاق من الجانبين أن النشيد طويل ولابد من أن يختصر منه النشيد الوطني الحالي بعد أن أجري عليه تعديل بسيط باستبدال كلمة (أمميا) بكلمة (سرمديا)، والاختصار تم لأكثر من ثلث القصيدة الأصلية التي كتبها الشاعر الفضول، حيث كان فيه كلام أكثر من اللازم لكي يكون نشيداً وطنياً. بالإضافة إلى انه لم يكن هو الذي يعزف كنشيد، وحتى يكون نشيداً وطنياً يردده ويحفظه الطلاب في المدارس وعامة الناس، ويعزف في المناسبات الوطنية لذلك كان لابد أن يكون في الحد المعقول والمقبول عما كان يعزف في الجنوب سابقاً، حتى أننا استمعنا إليه بعد الاختصار، فوجدنا مدة عزفه في السلام الوطني دقيقة واحدة والنشيد الوطني دقيقة ونصف.. لذلك نحن في اللجنة ركزنا في النشيد الوطني على هذه المقاطع الموجودة حالياً وهو ما توصلنا إليه وقت ذاك واستبدال كلمة (أمميا) نظراً للحساسية من معناها والتفسيرات التي كانت تدور حولها- حينذاك- خاصة في طبيعة ذاك الظرف فكانت تحمل دلالات النظام الشمولي والتوجه الاشتراكي رغم أنها كلمة عادية، لكن في ذاك الظرف كان لها دلالة. اختصار القصيدة واستبدالها بكلمة( سرمديا) احتمال كبير أنها قد تكون عادة إلى أصلها وهذا احتمال فقط وليس هناك ما يؤكدها، ويمكن عندما قدمت للأخوة في عدن استبدلت ـ«أمميا» مكان «سرمديا»- هذا ممكن يكون صحيح واستبعاد أن يقولها الشاعر نظراً لظروف مكان إقامته في الشمال-في مدينة تعز.. والاختصار تم على أساس أن هناك نوعاً من التكرار في مقاطع وأبيات القصيدة، وأما من حيث القصيدة فهي أكثر من ممتاز، وجميلة جداً تليق بمكانة ومستوى الشاعر، وراعينا في الاختصار مصلحة النشيد.
وأما بشأن ما طرحه الفنان أحمد السنيدار أنه قد سبق وأن لحن القصيدة لم يؤخذ في الاعتبار من قبل اللجنة ولم يلتفت إليه أبداً ولم يعرض علينا لحن السنيدار وما عرض فقط هو لحن الفنان أيوب طارش، ربما لحن السنيدار قد يكون عرض على فنانين لكن في الحقيقة.. الذي رجح هو هذا النشيد.
وبالنسبة لعدم إيراد اسم الملحن في القرار مثل هذا قصور، لكن ربما راعوا أموراً أخرى لأنه كان يوجد أخصائي في الموسيقية العسكرية، اعتقد أنه كان له دور كبير في الحذف الذي حصل..
حقيقة النشيد لم يكن محل جدال رغم أنه قد كان طرح نشيد آخر( في ظل راية ثورتي) إلاّ أن الذي رجح هو ( رددي) النشيد الحالي.. حصل عليه توافق لأنه  الأفضل، لم يدر حوله حوار طويل، بل حسم تقريباً في جلسة واحدة وكان يبحث بشكل عرضي في لقاءات جانبية من خلال التواصل مع بعضنا في اللجنة وأيضا تواصلنا مع القيادة، واللجنة كانت تتكون من اسماعيل الوزير- حسن اللوزي- صالح منصر السييلي- عبدالواسع سلام الشرجبي- فيصل مثنى.
 
ويوافقه الإجابة الأخ فيصل مثنى- وكيل وزارة العدل حينها- عضو المحكمة العليا حالياً بقوله: اللجنة التي شكلت قبل إعلان الوحدة بأيام- كانت مهمتها إقرار مجموعة من المواضيع وفي مقدمتها السلام والنشيد الوطني، ولم يد ر حول اختياره حواراً طويلاً عدا ما جرى أثناء الاختصار واستبدال كلمة « سرمديا» بدل "أمميا" ولم يكن حينها لدينا أصل القصيدة المكتوبة بخط الشاعر الأستاذ عبدالله عبدالوهاب نعمان، لكن المتداول والمعروف لدى الناس أنها (أمميا) واحتمال أن يكون أصلها ( سرمديا)، وفي الحقيقة تأثرت كثيراً عندما سمعت القرار ولم يذكر اسم الملحن الفنان أيوب طارش.
ويضيف أنه لم يسمع من قبل أن القصيدة سبق ولحنها الفنان احمد السنيدار، ولم يطرح مثل هذا على اللجنة- حينها ولا نشيد آخر غير النشيد الحالي هو الذي كان متداولاً منذ البداية ولقي قبولاً من كل الإطراف ولم يستغرق الحوار بشأنه سوى يوم أو يومين، لأن اللجنة كان لديها مواضيع أخرى كلفت بها ومطلوب منها إنجازها.. بل أنه لم يكن هناك أية مقايضة في اختيار هذا النشيد مقابل اختيار العلم-كما يعتقد البعض.
 
حوارات وليس لجنة
فيما الأستاذ حسن اللوزي- عضو اللجنة حينذاك- يختلف في شق من أجابته مع الرأيين ويتفق معهما في الشق الآخر.. إذ أجاب قائلاً: أنه لم تكن ثمة لجنة وإنما كان هناك حوارات تجرى بين الجانبين وأفكار تقدم من كل جانب بشأن شعار الدولة والنشيد الوطني. حينها كان علم الجمهورية قد تم حسمه من قبل اللجنة الدستورية التي صاغت مشروع دستور الجمهورية اليمنية والذي احتوى على مادة ضمن مواده، حددت ألوان العلم وشكله وحجمه ومادة قبلها نصت على أن يصدر رئيس مجلس الرئاسة في أول اجتماع له قانون  بشعار الدولة، وبالتالي كان حينذاك كل طرف يحاول أن يقدم بدائل وأفكار وفي هذا الخصوص. الأخ الرئيس كلف عدداً من الأخوة المؤرخين بالبحث عن نماذج ترمز أو تنسب إلى تاريخنا القديم سواءً ما يتعلق بصورة الصقر أو النسر وطرح أيضاً اللآلئ.. لكن في النهاية الأخ الرئيس حسم الموضوع وأيضاً حسم النشيد الوطني على أن يكون الكلمات التي ألفها الأستاذ عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) وموسيقى الفنان أيوب طارش، الذي كان معتمداً كنشيد في جنوب الوطن سابقاً، وتم ذلك تجاوزاً للتطويل في المباحثات والنقاشات- حيث كانت هناك مقترحات من قبل صنعاء للنشيد ( في ظل راية ثورتي) لكن حقيقة مع اقتراب ساعة إعلان الوحدة وهذه كانت حاضرة في ذهن الأخ الرئيس منذ وقت طويل وهو يعمل على اختزال المسافات..
لذلك شكلت لجنة مهمتها تحديد القوانين العاجلة التي نص عليها مشروع اتفاقية الوحدة بحيث تعد وتجهز قبل إعلان الوحدة ويصدرها رئيس مجلس الرئاسة في أول اجتماع له عقب انتخابه مباشرة، وبالطبع منها مايخص الشعار والنشيد الوطني..
 
سرمديا أصيلة في القصيدة
وفعلاً اجتمعت اللجنة وأدت أعمالها على أحسن ما يمكن، ولأن قصيدة النشيد كانت طويلة في البداية حددت المقاطع الجوهرية التي ممكن أن تكون هي صيغة النشيد الوطني وان موسيقاه هي السلام الوطني.. وفي احد المقاطع أزيلت كلمة (أمميا) كانت قد أضيفت إلى النشيد عندما استخدم نشيداً للجنوب- سابقاً- واستبدال مكانها كلمة (سرمديا)، وفي الحقيقة أستطيع القول أننا أعدناها "سرمديا" إلى أصلها، لأنها كانت في النشيد حينما كتبه الشاعر الكبير (الفضول) ولا يمكن أن يقولها(أمميا)،في السبعينات- يعني عام 1976م- وهو يقيم في تعز- حينها- واذكر هنا أن أول من لحن هذه القصيدة هو الفنان الكبير احمد السنيدار، عندما سلمت له القصيدة من (الفضول) بل النص الأصلي موجود لدى السنيدار، اهدي له من قبل الشاعر محتفظ بها، وأيضاً الفرقة الموسيقية بصنعاء كانت قد قامت بتوزيع لحن السنيدار وهذا اللحن موجود مسجل في إذاعة صنعاء وفي التلفزيون في بداية إنشائه..
 
إشكالات في اللحن
وكانت قد حصلت إشكالات حول اللحنين، اللحن الجديد الذي أبدعه الفنان الكبير أيوب طارش الذي ارتضاه الشاعر وبين اللحن القديم للسنيدار، وكانت هناك شبه وساطات وفي النهاية اللجنة أقنعت الأخ احمد السنيدار بالتخلي عن مطالبته بلحنه للقصيدة، وأن تبقى موسيقى الكلمات الخاصة بـ(أيوب طارش)..
ويعيد حسن اللوزي قبول السنيدار لهذا الصلح إلى علاقاته الشخصية التي تربطه بالفنان السنيدار لأنه- حسب قوله- كان متألماً أن تلحينه لكلمات النشيد سيذهب سدى، وكانت الهواجس تراوده بأن يحاول التمسك بموقفه ولا ييأس حتى- حسب اللوزي- طلب من عدد من الشعراء بكتابات نصوص شعرية تضاهي في وزنها وأفكارها قصيدة الفضول حتى يجعلها نشيداً وطنياً وتساوي كلمات النشيد الذي أبدعه بشكل رائع الشاعر الراحل الأستاذ عبدالله عبدالوهاب نعمان..
وفي هذا السياق يكشف حسن اللوزي عن ثمن هذه الوساطة التي راضى بها الفنان السنيدار أو تجاوب معه في كتابة نص شعري- إذ قال: حقيقية أنا حاولت أن أكتب له نصاً شعرياً وبعد محاولات كثيرة وفي النهاية قبل الفنان السنيدار هذا النص بعنوان (اسعدي يا أرض بلقيس الجميلة) وفعلاً غنى هذه الأنشودة وسجلها في الإذاعة والتلفزيون، وهي قد تكون إلى حد ما من الأناشيد التي أرى أنها عوضته عن خسارته لحنه لكلمات الفضول..
لكن اللوزي عندما سألته عن الأسباب التي أدت إلى ازدواج اللحنين للقصيدة: أجاب أنه لا يدري عن سبب ذلك إلاّ أنه أعاد هذا إلى احتمال أن يكون الفنان أيوب قد أخذ القصيدة من الفضول، وطلب أن يطرح هذا السؤال على الفنان أيوب نفسه.. وطرح فعلاً عليه وتقرؤون إجابته في سياق هذا التحقيق.. لكن قبل ذلك هناك أسباب يرويها البعض، حيث قال: إن إيقاعات الحان السنيدار كانت بطيئة والقصيدة تحتاج إلى لحن إيقاعاته سريعة، ورأى الفضول أن الفنان أيوب طارش هو القادر على التعامل مع القصيدة وإيجاد لحن يشبع رغبة الفضول ويحقق مرامي القصيدة، والأستاذ حسن اللوزي لم يؤكد هذا، لكنه اعتبره احتمال ممكناً، لأن الفضول -على حد قوله- في النهاية فضل لحن أيوب طارش. وأكد اللوزي أن القرار الجمهوري قد أورد اسم مؤلف الكلمات الذي هو الأستاذ عبدالله عبدالوهاب نعمان، واسم الملحن، الفنان الكبير أيوب طارش ولم يغفل أحد منهما..
 
أسس الاختصار
وذكر اللوزي أن المعايير والأسس التي اعتمدتها اللجنة في اختصار الكلمات إلى النشيد الوطني الحالي، أن اللجنة قرأت النص عدة مرات ووجدت أن هذا النص الحالي هو الأصلح بأن يكون هو النشيد الوطني ويؤدي الغرض بشكل كامل، وأيضاً ابتعاداً من الخوض في متاهات، لأن هناك من كان يطرح لتوجيه دعوة لكبار شعراء اليمن بأن يعملوا نشيداً وطنياً.. لكن أمام الغاية الكبيرة والهدف العظيم المقدس في تحقيق الوحدة اليمنية- كان المطلوب هو اختزال المسافات وتنفيذ الخطوات الجريئة وبفضل الحسم الذي كان يسير عليه القائد الرمز علي عبدالله صالح، وبالتالي اختير العمل الذي كان نشيداً في جنوب الوطن أن يكون هو النشيد الوطني، فقط رأينا تحديد الفقرة الصالحة لذلك وهذه تمت على مسؤولية هؤلاء الأربعة، ولا أحفظ نص القصيدة كاملة ولا كم أبياتها وإنما أحفظ النشيد الوطني الحالي.. أما النص كاملاً فموجود في وثائق اللجنة ضمن المحضر وأيضاً في الإذاعة، وكان النشيد هذا قد طرح من قبل الأخوة في عدن على الأخ الرئيس وقبل به فخامة الرئيس مباشرة ودون تردد أو تفاوض..
إلى هنا انتهينا من آراء ثلاثة من أعضاء اللجنة المكلفة بإنجاز النشيد الوطني قبل إقراراه.. لكنهم لم يجيبون على كل تساؤلاتنا المذكورة -آنفاً، فلم يجيبوا متى كتبت القصيدة وكيف انتقلت إلى عدن لتكون نشيداً لجنوب الوطن سابقاً، بل إنهم أثاروا تساؤلات أخرى لايمكن لهذا التحقيق الصحفي إغفالها والانتهاء هكذا، وإنما لابد لنا أن نعرج إلى الفنانين الكبيرين أيوب طارش وأحمد السنيدار لاستكمال الإجابة على أسئلتنا تلك وإيضاح حقيقة ما أثاره الأخ حسن اللوزي حول اعتراضات السنيدار بتجاهل لحنه لقصيدة النشيد الوطني قبل الفنان أيوب طارش.

قصة الميلاد..
وكبد القصة يسعفنا بها الفنان الكبير أيوب طارش عبسي عندما اتصلنا به إلى منزله في تعز عقب عودته من قاهرة المعز، حيث قال: ميلاد قصيدة (رددي أيتها الدنيا نشيدي) كان قد كتبها الشاعر الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان منتصف عام 1976م تقريباً، أي أواخر أيام عهد الرئيس الأسبق المرحوم إبراهيم الحمدي، في الحقيقة كتبها ولم يسلمها لي وإنما سلمها لقيادة المظلات، حينها، وعندما أرادت قيادة المظلات أن تلحنها لكي يتم تقديمها كأنشودة وطنية وتقدم هدية للشعب اليمني بمناسبة احتفالات عيد ثورة 26 سبتمبر.
انطلاق النشيد
ويستطرد أيوب طارش قائلاً: وفي أحد الأيام، اعتقد أوائل عام 1978م، كنا في مقيل بديوان - مجلس- عند المرحوم أحمد حسين الغشمي، فبدءوا يتحدثون عن الأنشودة التي ستقدم في عيد الثورة - قيادة المظلات- وعلى الفور وفي نفس المكان ونحن «مقيلين»، سلمت لي القصيدة من قيادة المظلات لكي ألحنها وأغنيها في المناسبة.. لكن حقيقة لم يكونوا حينها يفكرون أن تكون هذه القصيدة أو لحنها في يوم من الأيام نشيداً وطنياً لدولة الوحدة اليمنية. ولم أعلم أيضاً حينذاك أن القصيدة سبق وأن سلمت من قيادة المظلات للفنان احمد السنيدار لتلحينها وتقديمها في احتفالات العيد أيضاً. وحسب ما عرفته بعد ذلك أنها سلمت للسنيدار فعلاً إلاّ أنها ظلت القصيدة لديه فترة طويلة قرابة العام دون أن يعطيها- قيادة المظلات- أي خبر بشأن التلحين، هل بدأ به أم لا وإلى أين وصل فيه.. وظل الأمر هكذا ونتيجة المدة القصيرة على موعد حلول المناسبة أسرعت في تلحين القصيدة، وفوجئنا في الاحتفال بعيد الثورة عندما ذهبت لتقديم هذه الأنشودة تفاجأت أن الأستاذ أحمد السنيدار هو الآخر يريد أن يقدمها بالمناسبة، لكنني ليلتها غنية الأنشودة القصيدة بلحني ولم يقدمها السنيدار بلحنه.
 
تدرج سلمي للقصيدة
وأضاف الفنان أيوب: إن النسخة الأصلية التي سلمت لي للقصيدة لم تكن بخط الفضول وإنما منقولة بخط آخر، وهي قصيدة كانت طويلة تتكون من ثمانية مقاطع والمقطع التاسع يتكرر ترديده بعد كل مقطع، وعندما قدمت لي كانت كلمة (أمميا) أصلية موجودة فيها وهو موقعها الصحيح وهكذا قالها الشاعر، وغنيتها أنا (أمميا) وليس (سرمديا) كما يقول البعض أن استبدال سرمديا بـ(أممياً) هو العودة إلى أصل الكلمة التي قالها الشاعر -هذا كلام غير صحيح، بل إن الفضول لو كان موجوداً عندما تم وضع ( سرمديا) مكان (أمميا) لما قبل هذا التغيير لأنه يخل بالتدرج السلمي للقصيدة التي وضعها الشاعر متدرجة: وأنا إنسان، أنا عربي، أنا يمني) وسرمديا لا موقع لها في القصيدة.
 
انتقالها إلى عدن
ويروي الفنان أيوب قصة انتقال هذه الأنشودة وكيف أصبحت نشيداً وطنياً لجنوب الوطن خلال فترة ما قبل 22 مايو 1990م.. حيث قال.. كنت قد سافرت عام 1982م إلى عدن لأسجل بعض الأنشودة مع فرقة عدن الموسيقية- كان هذا أيام الرئيس علي ناصر محمد- وفي أحدى ليالي رمضان حينما كنا نقوم بالبروفات زارنا فجأة الرئيس علي ناصر ونحن نعمل البروفات واستدعاني أن آتي إليه فقال لي: نريد من أنشودتك هذه (رددي) أن تختار لنا منها سلاماً وطنياً مدته دقيقة واحدة ونشيد وطني مدته عشر دقائق فقط، وما تطلبه مني مقابل ذلك أنا مستعد، أجبته حينذاك: لا أريد أي شيء يكفي أنه سيكون نشيد وطني يذكر بي الجميع ويذكروني به صباح مساء وفي كل لحظة يعزف فيها النشيد.
وفعلاً قمت بما طلب مني وبدأنا باختيار السلام الوطني والنشيد الوطني وتم تسجيل ذلك وبدأ يعزف رسمياً كنشيد وطني وسلام وطني خلال الأربعين يوماً التي أعلنت- هناك في عدن- أيام حداد لوفاة الشاعر الكبير الأستاذ عبدالله عبدالوهاب نعمان( الفضول) عام 1982م. واختياره نشيداً وطنياً للجمهورية اليمنية شرف اعتز به ولم يكن لدي علم مسبق بذلك وعلمت كأي مواطن من خلال الإعلان الرسمي وسائل الأعلام، ورغم ما انتابني من حسرة حينها لعدم تضمن القرار الجمهوري الحقوق الفكرية بذكر الأسماء للشاعر والملحن إلا أن فرحتي بالوحدة كانت قد أزالت هذا ،ويكفي انه أصبح نشيد دولة الوحدة، وأكمل هذه الفرحة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح عند إصداره قراراً جمهورياً قبل حوالي سنتين وأثبت فيه كل الأسماء للشاعر والملحن والموزع الموسيقي.. وقبل أن يختتم الفنان أيوب طارش حديثه عاد وقال: كان هناك ربما محاولات لتلحين القصيدة من أكثر من فنان (كأحمد قاسم، وعطروش، السنيدار)..
 
السنيدار من القاهرة
وفي خضم هذا الجدل، كان لابد من تضمين هذا التحقيق ومعرفة رأي الفنان أحمد السنيدار الملحق الثقافي بسفارتنا بالقاهرة والذي اتصلنا به تليفونياً إلى هناك فكانت حصيلة إجابته كالتالي:-
إذ قال: القصيدة سبق وأن سلمت لي حوالي في عام 1974م من قائد قوات المظلات الرائد عبدالله عبدالعالم- وقمت بتلحينها وسجلتها في إذاعة وتلفزيون صنعاء وأيضاً سجلتها في إذاعة وتلفزيون عدن وشاركت بها في دولة الكويت بمناسبة احتفال بلادنا بعيد ثورة 26 سبتمبر.. وسجلت تقريباً في قاعة الاحتفاء وفي التلفزيون عندنا- في صنعاء- مع الفرقة الكورية والفرقة الموسيقية اليمنية بصنعاء التي نظمت الحفل، وأيضاً سجلت في عدن عندما ذهبت إلى هناك حوالي عام 1975م للمشاركة في الاحتفال بعيد ثورة 14 أكتوبر. ويضيف السنيدار: لم أعرف كيف وصلت القصيدة إلى الفنان الصديق أيوب ومن الذي أعطاه إياها يمكن الأستاذ عبدالله عبدالوهاب، وليس صحيحاً أن القصيدة التي أعطيت لي لتلحينها قد تأخرت، ولم تتأخر عندي أبداً.
معظم اللحن حقي..!!
لكنه يروي الطريقة التي حصل بها على القصيدة، حيث يقول: طلبني قائد قوات المظلات- حينذاك- أن آتي إليه وهو في مقر قوات المظلات فأعطاني القصيدة لتلحينها كأنشودة فقط وليس لمناسبة محددة، وبدأت على الفور بتلحينها هناك -عنده- في مقر المظلات، وبعدها سافرنا كفرقة فنية إلى الكويت في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي لإحياء بها حفلات بمناسبة عيد ثورة سبتمبر، وشارك معنا- وقتها- في الحفلات الفنان عمر غلاب الذي كان موجود -حينذاك- هناك إلا أنه حسب علمي أن مناسبة القصيدة قد دار حولها كلام كثير، حيث كان الأخ إبراهيم الحمدي قد اقترح في البحث عن نشيد وطني لأنه لم يكن معنا نشيد وطني، ولست متأكد أن كانت القصيدة قد ادخل عليها تعديلات من الفضول قبل أن يعطيها لأيوب أم لا.. وعندما كانت الحوارات داخل اللجنة المختصة بالنشيد الوطني للجمهورية اليمنية كنت قد علمت أن الحوارات تدور حول اختيار نشيد (رددي) نشيداً وطنياً وسلاماً وطنياً للجمهورية اليمنية بلحن أيوب طارش، لأن النشيد فعلاً كانت كلمته قوية ومعبرة وموزونة وبشر بالوحدة من وقت مبكر.. حقيقة سبق وأن لحنته ومعظم اللحن الذي طلع هو حقي، ولم يتغير فيه إلا (شوية) في مطلعه. لكن لم أصر على أن يبقى لحني، وإنما احتفظت باللحن حقي الذي عملته والكلمات عندي، ورغم أن التوزيع الموسيقي الذي قام به الكوريون كان توزيعاً رائعاً، بطريقة سيمفونية رائعة سجل بها النشيد حينذاك.
 
اسعدي.. هجر للسنيدار
صحيح أن قصيدة «اسعدي يا أرض بلقيس الجميلة» التي كان قد قدمها لي الأخ حسن اللوزي على أساس أن لحنها على وزن لحن قصيدة النشيد الوطني وأطلعها.. لكن في الحقيقة أنا لم أطلعها ولم ألحنها على وزن النشيد الوطني- قصيدة الفضول- فاحتفظت باللحن حقي مع القصيدة الأولى وعملت لحن جديد لقصيدة «اللوزي» ولم أحاول أبداً أن أعمل أية إضافة أو الحان جديدة لقصيدة (رددي)، لأنني احترم واقدر زميلي وصديقي أيوب ولا يمكن أن أتأثر من اختيار لحنه نشيداً وطنياً لأنه في الأخير هو نشيد للوطن وكلنا نفرح ونسر بأي عمل وطني..
في الأخير أقول ياعزيزي: لحن النشيد الوطني في الحقيقة مشترك.. أنا عملت فيه شيئاً وأيوب عمل فيه شيئاً آخر والمرحوم أحمد قاسم يقول أيضاً أنه عمل فيه لمسات.. لكن المهم هو عمل وطني ولسنا بحاجة أن يقال عمله(فلتان) أو (زعطان).. أهنيء الشعب اليمني باحتفالات العيد الوطني للوحدة وأتمنى أن يمر العام تلوا العام واليمن في فرح وازدهار وتقدم وسعادة..
ونصل في نهاية هذا التحقيق الصحفي إلى الإشارة أننا ايضاً كنا قد حاولنا الاتصال بأقرباء الشاعر عبدالله عبدالوهاب (الفضول) للاستفسار عن تاريخ القصيدة وما ذكر حولها إلا أننا وجدناه مجهولاً كما هو الحال عندنا..!!
 
    Up     Back
Copyright: www.alfudhool.com Email: info@alfudhool.com