نتف من الشيخ عبدالكريم عبدالله عبدالوعاب نعمان
نتف
بقلم الشيخ المهندس عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان
 
هُنَاْ فِيْ هَذِهِ الْإِطْلَاْلَةِ سَأنْتُفُ مَاْاسْتَطَعْتُ مِنْ ذَاْكِرَتِي، وَذِكْرَيَاْتِيْ مَعَ وَاْلِدِيْ أيَاْمَ كُنْتُ أعِيْنُهْ عَلَىْ بَعْضِ أمُوْرٍ مِنْ أمُوْرِ حَيَاْتِهِ الْيَوْمِيَةِ، تَاْرَةً إعْتِيَاْدِيَةً وَأخْرَ ذَوَاْتَ نَوَاْصِيْ، وثَاْلِثةً بينَهُمَاْ.
 
كَاْنَ الْوَقتُ عَصْرَاً، وَكُنْتُ وَصَدِيقِي الْدَّكتور يَاْسِين الْشَّيبَاْني نَرْفُلُ عَلَىْ شَاْطِئِ الْنَّهرِ بِمَدِينةِ الْأسْكَنْدريَّة في الْولَاْيَاْتِ الْمُتَّحِدَةِ ... وَكَاْنَ الْطَّقسُ صَحْوَاً جَمِيْلَاً وَلَاْيَنْقُصُ الْمَوْقِفَ لَاْ الْمَاءُ وَلَاْ الْخُضْرَةُ وَلَاْ الْوَجْهُ الْحَسَنُ، حَتَّىْ كَأنَّمَاْ الْأشْيَآءُ كَاْنَتْ مَعَنَاْ تَطُوْفُ وَتُهَرْوِلُ مُقْبِلَةً عَلَىْ عِيْدٍ أنِيْقٍ..!
 
وَرَاْحَ بِنَاْ الْحَدِيثُ وُجُهَاْتٍ شَتَّى فَلَمْ نَسْتَطِعْ أنْ نُذِلَّ لَهَاْ رَسْنَاً أوْ لِجَاْمَاً ..! فَبَدَتْ خَيْلَاً فَتِيَّاً فِي الْبَرِيَّةِ يَجْرِي حُرَّاً طَلِيقَاً لَاْيرِيْدُ أنْ يُسْتَأنَسَ..!
 
وَ مِنْ وَحْيِّ تِلْكَ الْنُّزُهَاْتِ الَّتِيْ كُنَّاْ نَرْتَاْضُهَاْ ونَرْتَاْفُهَاْ، كَاْنَتْ تَنْهَاْلُ عَلَيْنَاْ تُحَفُ إِيْحَاْءَاْتٍ، ونُتَفٌ مِنَ الْإِلْهَاْمِ كَأَنَّهُمَاْ شِلَّاْلَيْنِ مِنْ شَوْقٍ وحُبِّ شَجِيْيَنِ..! فَإِذَاْ بِي سَاْرِحَاً أكْتُبُ هَذِهِ الْنُّتَفَ وَأَجْمَعُ تِلْكَ الْتُّحَفَ..!! وإِذَاْ بِهِ يُوَدِّعُنِيْ قَبْلَ أنْ أبُوْحَ لَهُ بَفِكْرَةِ تِلْكَ الْتُّحَفِ والْنُّتَفِ الَّتِيْ أزْمِعُ أنْ أكْتُبُهَاْ..!
وَ لَعَلِيْ لَنَ أبَاْلِغَ أوْ أنَاْفِقَ أنِّيْ لَوْ آسَفُ عَلَىْ شَئٍ مَاْ أَسِفْتُ كَمَاْ آسَفُ عَلَىْ رَحِيْلِهِ عَنِّيْ مُفَاْرِقَاً إلَىْ هَوَاَنَاْ ومَهْوَاْنَاْ الْأَخِيْرِ.. الْيَمَن ..!! بَلَدُ الْأشْقِيَاْءِ وَأرْضُ الْسُّعَدَاءِ..! وَوَطَنُ التَّبَاْبِعَةِ والْفُقَرَآءِ..
فَاقْبَلْ مِنِّيْ أخِيْ وصَدِيْقِيْ مَاْ سَأرْوِيْهِ هَدِّيَّةً عَلَّهَا تَأتِيْ عَلَىْ قَدَرٍ، وَعَلَىْ قَدْرِ مُهْدِيْهَاْ..؟
 
فِيْ هَذِهِ الْنُّتَفِ سَأسْتَقْصِي حَوَاْدِثَ ومَوَاْقِفَ، أوْ أقْوَاْلَاً ونُكَتَاً وتَعْلِيقَاْتٍ أوْ طُرَفَاً تَعْرِفُهُ الْنَّاسُ مِنْ خِلَاْلِهَاْ، وأشْيَآءَ اُخَرَ لَعَلّيْ أسْتَنْبِطُ نَوَاْصِيَ فَلْسَفَةٍ صَاْغَهَاْ ذَاْكَ الْرَّجُلُ الْغَاْئِبُ الْحَاْضِرُ ..!
 
أَأَقُوْلُ الْرَّجُل!!
إنَّهُ جَمْعُ الْجُمُوعِ..!
إنَّهُ الْكُلُّ فِيْ الْأنَاْ..، والْأَنَاْ فِيْ الْكُلِّ!..؟
 
الْرَّجُلُ الَّذِي إحْتَوَىْ الْرِّجَاْلَاْتِ فيْ مَشَاْرِبِ الْمُلُوْكِ وَالْخُلَفَاْءِ يُوْرِدُهَاْ وَفِي غُرْبَةِ ألَآمِ وَأحْلَاْمِ الْبُسَطَآءِ يُوَّرِّدُهَا فَيُهَدْهِدُهَاْ ...فَأرَاْشَهاْ ! وصَفَقَتِ الْأجْنِحَةُ أيُّمَاْ تَصْفِيْقٍ !!
 
الْرَّجُلُ الَّذِيْ زَاْرَ الْمَدَاْرَ فَدَاْرَ..! وَأضْحَكَ الْقَمَرَ رِفْدَاً فَاْسْتَدَارَ.. وَأبْكَىْ الْشَّمْسَ فَابْتَلَّتِ الْأرْضُ بَالْشُّعَاعَاتِ الْنَّقِيِّةِ، وَفِيءُ عَيْنِيْهِ تَناْمُ بِرَفِيْفِهِ الْنَّجْمةُ بِهُدُؤٍ وَطمَأنِيْنَةٍ عَجِيْبَتَيْنِ، ويَغْفُوْ الْهِلَاْلُ سَهَفَاً لَهُ رَاْضِيَاً وقَاْنِعَاً..!
 
الْرَّجُلُ ؟
إنَّهُ الْمُنَاْضِلُ الْشَّاْعِرُ الْسَّاْخِرُ، الْوَزِيْرُ الْصَّحَفِيُّ الْفَذُّ...! وهُوَ الْثَّائِرُ الْمُكَافِحُ الْفَيْلَسُوفُ الْمُتَصَوِّفُ ..! الْفَقِيْهُ الْكَيِّسُ والْقَاضِي الَّذِيْ كَاْنَ دَوْمَاً يَرَىْ إسْتِحْسَاْنَ الْمَقْصَدِ، وتَأوِيْلَ الْأمُوْرِ بَالْضَرُوْرَاْتِ...!  الَّتِيْ تُقِيْمُ مَصْلَحةَ الْإنْسَانِ فوقَ كُلِّ مَهَاْمٍ!!..؟
 
الْمُنَاْضِلُ الَّذِيْ جَدَّ حَتَّىْ بَدَاْ جَدَّهُ فَوْقَ الْفَرْضِ هَزْلَاً، وهَزَلَ فَغَدَاْ هَزلُهُ فَوْقَ الْرَّفْضِ جَدَّاً..! والَّذِيْ عَرَفَ أَنَّ صِنَاْعَةَ الْتَّاْرِيْخِ وصِيَاْغَتَهُ تَتَأَتَّىْ إلَّاْ إِسْتِجَاْبةً لِتَحَدِّيٍّ قاْهَرٍ... وهُوَ ابنٌ قَارَبَ الْعِشْرِينَاتِ لَمْ تُعَرْقِلْهُ عَرَاقِيبُ الأمُورُ وعَرَاقِيلُ الحَيَاةِ وهَوَ يَرَى أبَاهُ مُعْتَقِلَاً بَيْتَهُ مُعْتَقَلَاً لِسَبْعٍ وعِشْرِينَ سَنة بَأمْرِ بَيْتِ الإمَامةِ وهُوَ الشَّيخُ المَهِيْبُ مِنْ آلِ النُّعْمَاْنِ الَّذِيْ تَمَرَّدَ، فَهَزَّ عَرشَ الْإماْمةِ بجَنْبِيَتِهِ في وَجهِ بيتِ الْوَزِيْرِ نَاْئِبِ الْإماْمةِ آنَئِذٍ وأمِيْرِ لِوَآءِ تَعِز مَنْ أراْدَ أنْ يثْقِلَ كَوَاهِلَ الْرَّعِيَّةِ فَوقَ طَاْقاْتِهِم وقَدْ ذَاْبَتِ الْكَوَاْهِلُ مِنْهُم  أنْ يَحْمِلَ فيْ جَوَاْنِحِهِ نِضَاْلَ الْأنبِيَآءِ، وَفِيْ عَوَاْتِقِهِ أكْفَاْنَ الْشُّهَدَآءِ، وَنَوَاْيَاْهُم بِصَدْرِهِ تَتَألَّقُ فِي عُنْفُوَاْن وسَمَاْحةٍ عَجِيْبَتَيْنِ رَوْعَةً تُغْرِقُ الْأرْضَ غُفْرَاْناً، وَتَوْبَةً تُرْهِقَ إبْلِيْسَ فَأفْلَسَ...!
 
فَمَاْ حَاْدَ مُذَّاْكَ عَنْ جَاْدَةٍ فِيْهَاْ الْحَقَّ رَأهُ، وظَلَّتِ الْجَذْوَةُ والْوَقِيْدُ تَشْتَعِلُ، والْنَّاْرُ مَانْطَفَأتْ حَتَّىْ حِيْنَ إنْطَفَأَ !... وَلَمَّاْ يَنْتَهِ الْوَهَجُ !.... وأنَّىْ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ.. ؟!! إِذِ الْرُّوْحُ تَبْقَىْ بَعْدَ صَاْحِبِهَاْ... حِصْنَاً ونِبْرَاْسَاً وبُرْهَاْنا.! وَذِيْ اْلأجْيَاْلُ تَطُوْفُ حَوْلَ عَاْشِقِهَاْ مَلْأَىْ الْعِيُوْنِ تَابُوْتَاً وأكْفَاْنَا !!
 
الْثَّاْئِرُ الَّذِيْ أَطْلَعَ لَيْلَهُ وَدُجَاْهُ أَضْوَآءَاً وَألْوَاْنَاً وبُرُوْقاً فَيَسْتَهْدِيْهَاْ طَرِيقَهُ... كَي تَسيرَ الْقاْفلةُ، فَتطْوِيَ الْأمْيَاْلَ الْمُرْهِقَةَ..! ثَاْرَ أوَّلَاً عَلَىْ نَفْسِهِ، ثُمَ ثَاْرَ عَلَىْ الْنَّاْسِ !! ثُمَّ ثَاْرَ لِلْنَّاْس!؟..!
 
ثَاْرَ عَلَىْ نَفْسِهِ لِيُطْلِقَهَاْ كَالْفَرَسِ الْجَمُوْحِ مِنْ أَرْسَاْنِ الْخُنُوْعِ، ورَبَقَةِ الذُّلِّ النَّذْلِ الْمُمِيْتِ، وقِيُودِ الْمَهَاْنَةِ الْمُقِيْتَةِ ... لِتَرْحَلَ إلَىْ مَشَاْرِفِ الْرَّفْضِ الْمُؤَدِبِ بِالْحَقِّ الْشَّريفِ، وتَتَوَسَدَ مِنْبَذَةَ الْكِبْرِيَآءِ مُوْهِبَةً الْأنْسَانَ كَرَاْمَتَهُ الْحَقِيْقَ بِهَاْ كَأرْوَعِ إبْدَاْعَاْتِ اللهِ، ويَرْفلَ تَرَفَاً فِيْ سَرَاْبِيْلَ الْمَحَبَّةِ والْخَيْرِ والْإيْثَاْرِ وَالْعَطَآءِ، وَيَدَّثَّرَ دِثَاْرَ طُمَأنِيْنَةِ الْإنْجَازِ والْبُلُوغِ، واسْتِحْوَاْذِ غَاْيَاْتِ الْأُفقِ الْنَّبِيْلِ! ... ثَاْرَ عَلَىْ نَفْسِهِ، فَثَأرَ مِنْهَا لِيَثُوْرَعَلَىْ الْنَّاْسِ....                  
 
قَلْبِيْ يُزَلْزَلُهُ حَنِيْنُهْ
وَيَكَادُ يُبْكِيْنِيْ أَنِيْنُه
حُزْنَاً عَلَىْ وَطَنٍ بِهِ قَدْ عِشْتُ تَحْضَنُنِيْ جُفُوْنُهْ
وَحَيْيْتُ تُفْرِحُنِيْ أَمَانِيْهِ وتُتْرِحُنِيْ شُجُوْنُهْ
عَطِرُالرِّحَابِ كَأَنَّمَا فِيْهَا يَمُجُّ المِسْكَ طِيْنُهْ
مَهْمَا تَبَدَّا وَجْهُهْ رَثَّاً تُجَلِّلُهُ غُصُوْنُهْ
هُوَ مَوْطِنِيْ لِيْ غَثُّهُ عَبْرَ الحَيَاةِ وَلِيْ سَمِيْنُهْ
حَدِبَتْ عَلَيَّ سُهُوْلُهُ وَحَنَتْ عَلَى قَلْبِيْ حُزُوْنُهْ
مِنْ غِيْبَتِيْ .. وَمِنَ اغْتِرَابِيْ عَنْهُ .. أَرْأفُ بِي سُجُوْنُهْ
عِزُّ الحَيَاةِ بِهِ عَلَى الأَيَّامِ .. قَدْ رَسَخَتْ حُصُوْنُهْ
مَاجَاءَ يُطْفِىءُ ضَوْءَهَا فَسْلُ النُجَارِ وَلامُهِيْنُهْ
 
ثَاْرَ عَلَىْ الْنَّاْسِ، لِأنَّهُ كَاْنَ يُحِبُ الْأخْلَاْقَ فِيْ الْنَّاْسِ..!
 
وَثَاْرَ لِلْنَّاْسِ لِأنَّهُ أَحَبَّ النَّاْسَ لَاْ قَيْدَ عَلَيْهَاْ سِوَىْ الْحُبِّ والْأَخْلَاْقِ وَقَدْ تَأثَّلَاْ فِيْهِمْ فَلَاْ تَضِيْعُ النَّاْسُ فِيْ أتُوْنِ الْكُرْهِ الْقَاْتِلِ والْتَّبَاْغُضِ الْحَاْرِقِ والْحِقْدِ الْمُمِيْتِ.!!
 
قدرٌ أنْ تَنتهي كلُ المجنَّات في الناس ونبقى ماجِنينا
قدرٌ أن تعرفَ الدنيا لنا قدرَنا فيها ونبقى جاهلينا
قدرٌ أن يطرحَ الصِّدقُ على حجمنا الضوءَ ونبقى مدعينا
قدرٌ أن ندَّعيَ أنَّا صنعنا الضوءَ للناسِ ونبقى مظلمينا
قدرٌ أنْ لم يعد يلقى له الزُّورُ في الدنيا سوانا عاشقينا
قدرٌ أنَّا بعاهاتِ التبجُّحِ من كل الأمانات بُرينا 
 
أنَّا مشتاقٌ إلى الكفِّ عن القولِ أنَّا داخلَ الصِّدقِ أُحْتُوينا
وعن القول بأنا وحدُنا دون خلقِ اللهِ بالمجد حُظينا
وبأنَّا وحدُنا سِرنا على الأرض إبداعًا وفكرًا وفنونا
أيُّ شيئٍ نحنُ أبدعناه للناس أو كنُّا به يومًا عُنينا
ولإنسانيةِ الإنسانِ ماذا نحنُ أبدعنا وكُنَّا منجزينا
وإذا كُنَّا كما قُلنا فكيف بنا من دون إبداع بقينا
ولماذا سرحَ العقمُ بنا نملءُ الأيام عجزا وجنونا
ولماذا نحن كُنّا خارجَ الخدرِ إشعاعاً وفي الخيمة طينا
ليس عقلاً أبدًا أن تجد المُعجِزَ الخارقَ للعجزِ مدينا
أو تلاقي الهمجيَ الفظَّ يُعطي الهمجياتِ دماثاتٍ ولينا
 
أَنا مشتاقٌ إلى شيئٍ من الصدقِ أنَّا بالبلاهات أُبْتلتينا
ليس حقاً أبداً أنَّا بكلِّ شعاعِ الصدقِ والنبلِ كُستينا
ليس صدقاً أبداً أنّا على قممٍ يحتضنُها الفجرُ ربينا
إننا من بؤرِ الليل أتينا ومن ثدي الضلالاتِ غُذينا
ومُلئنا بغرورٍ وقحٍ عاجزِ القُدرة فتينا أن يلينا
ويلاقي الصدقُ أنّا لم نكن أبداً في أيِّ يومٍ مُعجزينا
وبأنَّا لم نعش أيامنا نُذهلُ الناس بها بل ذاهلينا
 
تَرَاْهُ فِيْ الْمَقْطَعِ الْسَّاْبِقِ مِنْ قَصِيْدَتِهِ (الْعَربُ وفِلَسْطِيْنُ) يَشُدُّ تَلَاْبِيْبَنَاْ وَيسْلُخُنَاْ جَلْدَاً، ويَضْرِبُ رُوْؤُسَنَاْ بِهَرَاْوَةٍ ثَقِيْلَةٍ مُحَاْوِلَاً أنْ يُطَبِّقَ نَظَرِيَّةَ أحَدَ مَبَاْدِئِ دِرَاْسِةِ الْتَّاْرِيْخِ لِ (آرْنُولْد تُوْيِنْبِيْ).   (stimulus Of Blows)
 
وَهُوَالْشَّاْعِرُ بِعَيْنِ الْنَّاْقِدِ الْنَّاْفِذِ لِعُمْقِ الْجُرْحِ فِيْ الْخُلْقِ وَالْخُلُقِ، اَلَّذِي أتَمَّ الْغَوْرَ والْسَّبْرَ، فَارْتَقَىْ إلَىْ الْسَّمَآءِ بِأسْبَاْبِ الْسَّمَآءِ فَاْسْتَنْزلَ اللهَ الْبَلْسَمَ وَالْدَّوَاْءَ !!..
 
الشَّاْعِرُ الْفَطِنُ الْفَذُّ الْأَلْمَعِيُّ وليْسَ بِالْأَلْمِعِيِّ الَّذِيْ يَتَظَنَّنُ الْألَآمَ فَلَاْ يُخْطِئُهَاْ، والْأَحْلَاْمَ إلَّاْ يُصِيْبُهَاْ بِحِسِّ الْكَيِّسِ الْأحْوَذِيِّ!... فَلَاْ يَسْتَشْفِيَ الْجُرْحَ مِنْ تَفْلَةٍ تُبْصَقُ مِنْ فَمِ كَاْذِبٍ مُهَرْطِقٍ، أوْ مِنْ زَاْرٍ وطَبْلٍ ودُخَاْنٍ ! وقَدْ كَاْنَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ رَأىْ ضَرُوْرَاْتِ الْبَقَآءِ مُتْعَةً، ومُتْعَةَ الْبَقَآءِ نَزْعَةً، وَنَزْعَةَ الْبَقَآءِ مِنْعَةً...!
 
الْرَّجُلُ الْشَّاْعِرُ الَّذِيْ غَنَّىْ الْشُّرَفَاْءَ، فَرَءَآهُمْ مُلُوْكَاً فِيْ أنْفُسِهِمْ، يَقْفِدُوْنَ إمَاْمَةَ جَوْرٍ فَتَتَسَاْقَطُ الْرُّؤوْسُ، وأسْقَطُوْاْ تَاْجَ كِبْرِيَآءِ إمْبَرَاْطُوْرِيَّةٍ فَتَهَاْوَتْ تَلْعَقُ جِرَاْحَاْتِهَاْ ..!!
الْصَّحَفِيُّ الْأحْوَذِيُّ الَّذِيْ خَضَّ أسْرَاْرَ الْكَلَاْمِ وخَضَدَ نَكْهَةَ الْحَرْفِ وسِرَّ وَسِحْرَالْعَرَبِيَّةِ، فَخَاْضَهَاْ عَلَىْ أزْهَىْ مَشْهَدٍ وأرْوَعِ هَنْدَسَةٍ وحُسْنٍ هَنْدَمَةٍ ومَهَاْبةٍ تَرِقُ أبْلَغَ رِقَّةٍ وفُتُوْنٍ وفُتُوَّةٍ وفِتْنَةٍ لَطِيْفَةٍ، فَاْسْتَحْسَنَ الْيَرَاْعُ تَقْبِيْلَ أنَاْمِلِهِ، ووَقَفَ لَهُ الْحَرْفُ وَاْصِبَاً ..!
 
نَاْوَلَنِيْ مَرَّةً أحَدَ أجْزِآءِ الْعِقْدِ الْفَرِيْدِ لِابْنِ عَبِدِرَبَّهِ الأنْدَلُسِيِّ وقَاْلَ لِيْ أنْ أقْرَأَ لَهُ بَاْباً مِنْ أبْوِاْبِهِ  يَغِيْبُ عَنِّيْ أسْمُهُ  فَقَرَأْتُ :
 
" قَاْلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهَ وَسَلَّمَّ : لَيِسَ مَنَّاْ مَنْ لَاْ يَطْرَبُ"..!
 
وَ صَمَتُّ هُنَيْهَةً. اسْتَفْسَرْتُ نَفْسِيْ عَنِ الْطَّرَبِ الْمَذْكُوْرِ فِيْ آخِرِ الْحَدِيْثِ.. فَعَلَّقَ بِبَدَاْهَةٍ عَرَفَهُ النَّاْسُ بَهَاْ  واتَّسَمَ بَهَاْ:
 
’’ نَعَمْ يَاْ وَلَدَيْ ! ...’’وَ الْطَّرَبُ هُوَ شِدَّةُ الْفَرَحِ، وشِدَّةُ الْفَزَعِ..!’’ هَيَّاْ إكْمِلْ..’’ !!
 
وَكَاْنَ أَحَدُ الْلَّذِيْنَ هَزُّوْاْ شَعْبَاً، فَأسْقَطُوْاْ عَرْشَيْنِ مَاْ عَدَّتْ رُؤَاْهُمَاْ غَيْرَ نِهَاْيَةِ أَنْفِهِمَاْ..! فَرَغِمَاْ فيْ التُّرَاْبِ التُّرَاْبِ....! وَهُوَ الَّذِيْ رَفَعَ الْلِّوَآءَ بَعَدَ الْشَّهِيْدِ الْأَكْبَرِ وَاْلِدِهِ الْمَهِيْبِ إمَاْمِ الْشُّهَدَاْءِ الشَّيْخِ عَبْدِالوَهَّاْب نُعْمَاْن ورُؤُوْسِ رُؤُوْسِ الْثَّوْرَةِ الأُوْلَىْ، وهُمْ فُضُوْلُ الْأمَّةِ، فَهَتَكَ مَأآتِمَ الْسُّقُوْطِ بَعَدَ الْثَّوْرَةِ الْأمِّ، ومَزَّقَ أرْدِيَةَ الْحِدَاْدِ وَالْهَزِيْمَةِ وَالْقُنُوْطِ! فَألْبَسَ فُضُوْلَ الْنَّاْسِ صَحِيْفَةَ ’’الْفُضُوْلِ’’..!
 
غَنَّيْتُ لِلْدُّنْيَا الْغِنَاءَ وَأَدْمُعِيْ
بِرِثَاءِهِمْ تَنْسَابُ فِيْ أَلْحَانِيْ
أَسْرَفْتُ فِيْهَا ثُمَّ عُدْتُ بِمُقْلَةٍ
تَشْكُوْ الْجَفَافَ لِمَدْمَعٍ ضَمْآنِ
وَوَهَبْتُ كُلَّ الْوَاهِبِيْنَ نُفُوْسُهُمْ
مَاجَاءَ فِيْ جُهْدِيْ وَفِيْ إِمْكَانِيْ
أَحْنَتْ لَهُمْ كَلِمِيْ الْعُرُوْشَ وَأَرْكَعَتْ
لَهُمُ الْسِّيُوْفَ وَهَيْبَةَ الْتِّيْجَانِ
حَمَلُوْا الْمَشَاعِلَ فِيْ الْطَّرِيْقِ عَرِيْضَةَ الْلَّهَبَاتِ فَوْقَ مَسَارِحِ الْغِيْلاَنِ
لأَكَادُ أَلْمَحُ فِيْ الْشُّعَاعِ وُجُوْهَهُمْ
تَحْتَ الْضُّحَىْ يَمْشُوْنَ فِيْ الأَكْفَانِ
يَذْرُوْنَ طِيْبَ الْمَجْدِ حَيْثَ تَسَاقَطُوْا
عَبِقِيْنَ مِثْلَ ضَمَائِمِ الْرَّيْحَانِ
سَكَنَتْ حَمِيَّتُهُمْ إِلَىْ مَنْ بَعْدِهِمْ
سُكْنَىْ الْسِّيُوْفِ عَوَاتِقُ الْشُّجْعَانِ
فَهُنَا خَلاَئِفُهُمْ عَلَىْ مِيْرَاثِهِمْ
يَقْضُوْنَ حَقَّ فُتُوَّةِ الْفُتْيَانِ
 
وَالْمُتَصَوِّفُ الْفَقيهُ الَّذِيْ تَنَكَّبَ الْأَوْلَ، وتَتَبَّعَ الْأَصْلَ، فَتَمَلَّكَ عَوَاْهِنَهُمَاْ وَأجَاْدَ رِيَاْضَتَهَاْ فأسْتَأنَسَتْ!... فَأكَّدَّ لِلْذَّنْبِ رِضْوَاْنَ الْتَّوْبِ...! وَلَاْ نَدُرَتْ عَلَيْهِ فُرُوْعُ الْأصْلِ، حَتَّىْ لَقَدْ أدْهَشَنِيْ  فَلَزِمْتُ شَدِهَاً حِيْنَمَاْ قَاْلَ يَوْمَاً وقَدْ مَاْطَلْتُهُ فِيْ أَمْرٍ مَاْ..، أنْ لَاْ أَكُنْ نِصْف سَاْرِقٍ!
قُلْتُ :
’’ كَيْفَ؟..’’
قَاْلَ :
"يَاْ وَلَدِيْ ألَاْ فَاعْلَمْ إِنَّ الْمُمَاْطَلَةَ نِصْفُ السَّرِقَةِ .. فَافْهَمْ وعِ !!’’...
 
الْشَّاْعِرُ الْمُتَصَوِّفُ الْعَاْشِقُ الْوَلِهُ بِحَبِيْبَةٍ تَلَاْشَىْ فِيْهَاْ، وَأقْتَرَبَتْ فَالْتَغَتْ فِيْهِ فَلَمْ يَرَهَاْ.! حَتَّىْ كَأنِّيْ بهِ قَدْ تَوَاْرَتْ فِيْهِ وبِهِ فَضَاْعَ فِيْهَاْ !.. فَكَاْنَ عِشْقُهُ يَسْتَحْوِذُ كُلَّ شَئٍ جَمِيْلٍ وبَهِيٍّ ومُؤَدَبٍ رَفِيْفٍ!. لِذَاْ فَإِنَّكَ تَرَاْهُ كاْنَ مُحِبَاً لِلْشَّمْسِ وَالْنُّوْرِ وَالْنَّجْمِ وَالْغَيْثِ والْأنْدَآءِ وَالْمَطَرِ والْإنْسَاْنِ المُؤَدِبِ، الذِيْ بِهِ أخِلَاْقَهُ تُبْدِعُهُ إنْسَاْنَاً رَفِيْفَاً يُتْرِفُ الْآخَرِيْنَ!!.. فَتَرْتَاْفُ الْأشْيَآءُ آنقَةً بِهِ حَوَاْلَيْهِ، ومِنْ تَحْتِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ..!! شَاْعِرٌ تَمَاْهَتْ أحَاْسِيْسُهُ لُطْفَاً وَهَوَىً فَتَصَوَّفَتْ حَقَّ التَّصَوُّفِ..!
 
أَدَمْتَ لِيْ أَسْفَارَ حِسِّيْ فَمَا
نَفْضَتَ عَنْ حِسِّيْ غُبَارَ الْسَّفَرْ
وَالْنَّوْمُ مِنْ عَيْنِيْ يُوَلِّيْ لِكَيْ
يُمْسِيْ يَذُرُّ الْشَّوْكَ فِيْهَا الْسَّهَرْ
وَتَنْحَتُ الأَشْوَاقُ رُوْحِيْ وَيَأتِيْنِيْ
مِنَ الأَعْمَاقِ صَوْتُ الْذِّكَرْ
فيْ أْضْلُعِيْ تَبْكِيْ كَلَوْ أَنَّ
قِدِّيَسًا كَبِيْرَاً فِيْ ضُلُوْعِيْ انْتَحَرْ
أَوْ أَنَّ فِيْ حُضْنِيْ رُفَاتَ الْمُنَىْ
وَقَبْرَهَا فِيْ دَاخِلِيْ يَحْتَضِرْ
يَاأَنْتَ يَامَنْ عَاشَ لِلْحُبِّ فِيْ
مَعَارِكِ الْحُبِّ وَفِيْهَا أَصَرْ
وَبَارَزَ الْدُّنْيَا وَفِيْ رُوْحِهِ
لُطْفُ الْنَّدَىْ يَأوِيْ وَعُنْفُ الْقَدَرْ
سَنَلْتَقِيْ إِنْ طَالَ فِيْ عُمْرِنَا
عُمْرُ الْهَوَىْ والْصَبْرُ فِيْنَا صَبَرْ
وَتُشْهِدُ الْفَجْرَ عَلَىْ حُبِّنَا
وَثَائِقُ الْشَّمْسِ بِخَتْمِ الْقَمَرْ
 
اْنَ يُحِبُ اللهَ حَتَّىْ الْإنْتِهَآءَ والْهَلَاْكَ....! فَكَاْنَ يُرَاْقِبُ اللهَ فِيْ غَاْلِبِ حَيَاْتِهِ كَإنْسَاْن، وَلَكِنَّهُ مَاْ إدَّعَىْ يَوْمَاً أنَّهُ أمْسَىْ مَلَاْكَاً قَط أوْ أرَاْشَتْهُ رِيْشَاً مِنْ جِنَاْحَاْتِهَاْ !. فَكَاْنَ اللهُ يَرْقَبُهُ فِيْ كُلِّ زَاْوِيةٍ وَفِيْ كُلِّ رُكْنٍ وحِيْنٍ..! وَغَدَاْ يَرَىْ اللهَ حَتَّىَ فِيْ لِبَاْسِهِ .. أنِيْقَاً ألِقَاً ومُضَوَّءَاً وكَأنِّيْ بِهِ عَلَىْ أهُبَةِ تَدَاْنٍ وَلِقَاْءٍ، أَوْ مَوْعِدٍ آتٍ جَمِيْلٍ !...
ذَاْكَ الرَّجَلُ الَّذِيْ أحَبَّ النَّبيَّ وَلَاْ غَرَاْبَةَ أنْ سَمَّىْ أحَدَ بَنِيْهِ (مُحَمَّدا)  حَتَّىْ دَنَىْ أنْ يَكُوْنَ لَهُ جَلِيْسَاً أوْ نَدِيْمَاً أوْ صَحَاْبِيَّاً وَفِيَّاً.. فَكَاْنَ (لَاْ يَكْذِبُ)، ولَاْ (يُمَاْطِلُ)، وكَاْنَ (يَمْشِيْ فِيْ الْأَسْوَاْقِ)..!
 
والأُوْلَى جَاؤا إلى الدُّنيا عَبَاقِرَةً مِنَّا بها كَانُوا قَلِيلا
 في نبَيِّ أو صَحَابيِ وَفِيْ فَلْتَةٍ عَانَى مِنَ القَهْرِ طويلا
 وغَدَرْنَا فيه إشراقاً وخُنَّا مُضِيئَاً جَاءَ للفِكْرِ رَسُولا
 
وَكَاْنَ يُطْلِقُ دَوْمَاً أنَّ عَمَدَ رِسَاْلَةِ اْلنَّبِيِّ وَقَفَتْ شَاْمِخَةً قَوِيَّةً بِالْحُبِ وبِالْحُبِّ وَحْدَه دخَلَتِ الْأفْئِدَةَ فَاْحْتلَّتَهَاْ أيُّمَاْ إحْتِلَاْلٍ، فَاْهْتَدَتْ! .. مَرَّةً قَاْلَ لِيْ ذَلِكْ. وَأدْرِكَ ذَلِكَ تَمَاْمَاً، فَأتَّفِقُ مّعَهُ .
يتبع
    Up     Back
Copyright: www.alfudhool.com Email: info@alfudhool.com