نشوء وتطور الصحافة في عدن للأستاذ فضل النقيب
نشوء وتطور الصحافة في عدن
فضل النقيب ، في 1 مارس 200
من مدونة آفاق فضل النقيب
قبل أن أستأنف حديث الأسبوع الماضي عن هذا الكتاب القيم الذي ألفه الأستاذ عبدالرحمن خبارة الصحافي المخضرم الذي لم يغمد قلمه قط، وظل حسب ظروف الزمان والمكان ينشط في الحياة العامة عملاً وفكراً وإعادة تفكير.
بعيداً عن الجمود والتقوقع الأيدلوجي الذي طبع مراحل بكاملها خرجنا منها بقبض الماء وباطل الأباطيل «جلداً على وَضَم»، والوضم هو تلك الخشبة التي يستخدمها اللحامون للتقطيع، فإذا لم يكن هناك من لحم فلك ياسيدي أن تتخيل عبث وجود ساطور مع مزقة جلد على خشبة صماء يجلدها جزار أعور، ما علينا.. فقد أردت أن أشرح لماذا تأخرت في الكتابة فيما الكتاب قد أهدي إليّ منذ سنوات، ثم أن صاحبه قريب إلى قلبي فهو من ودعاء البشر الذين لا يملك المرء إلا أن يحبهم اتفق معهم أم اختلف، فعند عبدالرحمن خبارة الماركسي المعتق والوطني المتألق والمثقف المتأنق فإن «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية».. و«أين من عينيّ هاتيك المجالي.. ياعروس البحر ياحلم الخيال».. نعم في هذا الكتاب سترى عدن بالعين التي رأى بها علي محمود طه مدينة «البندقية»: مدينة التنوع، حاضنة الاختلاف، مأمن الآلاف، مأوى الطيور المهاجرة تأتيها خماصاً وتنصرف عنها بطاناً. المهم.. تسلمت الكتاب والتهمته كما ينبغي، فقد كان في الصميم من اهتماماتي وفي عين محبتي لهذه الفاتنة «عدن» المتجهمة الهضاب والعذبة الرضاب، ثم تركته جانباً، ولست أدري من تسلط عليه، فلم أعثر له على أثر، ثم شكّني عتاب من أحد محبي عبدالرحمن فنشطت للبحث عن نسخة أخرى، وكيف لك أن تجد في الخليج، وهو ورشة عمل ضاج ليس بينه وبين القراءة ود، كتاباً صدر في عدن التي فقدت ذاكرة التوزيع وصناعة التصدير، ومع ذلك فقد توفقت بفضل من الله، وحصلت على نسخة أخرى، احتذت حذو أختها الأولى، كما يحتذي الحافر الحافر، فاختفت تماماً، وأخذت أبحث عنها في مكتبتي كمن يبحث عن إبرة في تل قش. قلت «لأمر ما جدع قصير أنفه»، وهكذا صرفت ذهني مؤقتاً عن هذا الكتاب الذي لبس طاقية الإخفاء مرتين. وقبل أسبوعين، وبالصدفة وأنا أسحب أحد المجلدات من المكتبة إذا بالكتاب أمامي بنسختيه، قلت طاب الجنى، وجاء الإذن بالكتابة، فليكن، الوعد كالرعد والإيفاء كالمطر، ولئن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً. في تقديري أن الكتاب يحتل مكاناً مرموقاً في السلسلة الماسية لتاريخ هذه المدينة التي ورد ذكرها في التوراة، وقرض موقعها مؤرخو الرومان، وأثنى عليها الرحالة العرب، وتغنى بها الشعراء، وتقصى أخبارها من أبنائها ابن المجاور وبامخرمة وعبدالله محيرز وسلطان ناجي وحمزة لقمان، وعبدالله يعقوب خان وبشير محمد خان وحسن صالح شهاب ونجمي عبدالمجيد ومحمد مرشد ناجي والدكتور المجتهد أحمد علي الهمداني الذي أدعوه إلى التفكير في تدشين موسوعة ذهبية تجمع شتات ما تناثر وتكون مرجعاً للباحثين والدارسين وهو أهل لذلك يعاونه ويؤازره طلبته في جامعة عدن.
وأعتذر إذا كنت قد أنسيت بعض الأسماء ممن لهم الباع الطويل في حفظ تراث هذه المدينة الدهرية.
من فصول الكتاب: عدن في التاريخ المعاصر، الصحافة في عدن ما بين عامي -1940 1956، الصحافة في عدن 1976-56م، قضية المرأة في صحف الأربعينيات والخمسينيات، محاور سياسية في صحف عدن، نماذج من الصحف، نماذج من الكتابات النثرية والفنية، بيبلوجرافيا لأبرز الكتاب السياسيين والصحفيين. وأخيراً: دليل الصحافة اليمنية خلال مائة عام 1987-1887.
في النماذج الكتابية التي كشفت عن نضج مبكر وأساليب حديثة مشرقة اللغة متينة السبك، نقل الكتاب عن الأستاذ محمد علي لقمان مؤسسة «فتاة الجزيرة» ذكريات طفولته من 6 حلقات شديدة الإمتاع تحت عنوان «أناس عرفتهم وأحداث خبرتها» ويعود بنا الكاتب إلى عام 1902 مع إشراقة وعيه بالحياة، وإدراكه لمحيطه، وعبوره رحلة الحياة التي أبلى فيها وأي بلاء.
ولأن المجال يضيق فلابد من عيّنة يعني «نامونة» بالهندي العربي. وقد اخترتها لكم من الشاعر الكبير الذي ظل متوهجاً كنجم في سماء الصحافة والأدب عبدالله عبدالوهاب نعمان «الفضول» الذي أصدر جريدته التي سرقت منه اسمه حين سماها «الفضول» وذلك في عام 1948 وقد عرّفها بأنها «جريدة إمبراطورية مستقلة ذات سيادة، فهي لسان حال الطفارى والزعالى ومخازيق الجيوب، وهي بنت ناس متصاحبش، ومديرها لا قال لها دوري دارت، رئيس تحريرها بيّاع كلام يصدق ويكذب حسب الطلب، أهدافه: ملء البطون وتخريب مجلس الأمن، المراسلات مع جازع طريق، الاشتراكات جيز الناس».
طبعاً «الفضول» كانت فكاهية، حيث كان الناس لايزالون قادرين على الضحك ويدفعون له. ويقارن الفضول بين صحيفته ومجايلاتها فيقول إنها تختلف عن «فتاة الجزيرة» التي لم يعرف فيها القراء غير الجد والصرامة وتعقيد الحواجب والبرطام وعن «الأفكار» التي يشعر قارئها أنه تقمص روح شيخ جليل يغطي بلحيته البطن ويتقي بعمامته الشمس ويلامس بسبحته التراب… الخ.
كتاب ممتع نرجو أن يشمر اتحاد الأدباء والكتاب لإعادة طباعته وليس عندي شك أن لدى عبدالرحمن خبارة الكثير ليضيفه إلى الطبعة الأولى.
 
    Up     Back
Copyright: www.alfudhool.com Email: info@alfudhool.com